تونس- إيطاليا: أزمة الهجرة
|
تونس- إيطاليا: أعمق من الهجرة |
مواضيع عديدة تمثل نقاط تنافر بين تونس وإيطاليا، من بينها المسلكيات الإيطالية المقترحة لحل أزمة الهجرة، وهي مسلكيات تعبر عن مقاربة إلغائية انعزالية لن تزيد طين الأزمة إلا بلة.
هل يكون اجتماع الثلاثاء في روما بين وزير الخارجية الإيطالي ماتيو سلفيني ونظيره التونسي هشام الفراتي بداية حلحلة الأزمة السياسية بين العاصمتين والتي بلغت ذروتها مع التصريحات الاستفزازية التي أطلقها المسؤول الإيطالي المذكور ضد الدولة التونسية وضد مهاجريها الشرعيين أو غير الشرعيين؟
ما كان لهذا التساؤل أن يكون مطروحا لو ارتبطت القضية بإيطاليا الدبلوماسية الهادئة التي نعرفها منذ عقود، ولكن جزءا من شرعية الاستفسار كامن في الطبيعة الإقصائية التي عليها حكام روما الجدد من الذين جاءت بهم رياح الشعبوية والعنصرية بعد أن ضربت أكثر من عاصمة أوروبية وباتت تهدد منظومة التعاون الأوروبي المشترك.
وما كان لهذا الاستفسار أن يُعتمد لولا فشل الوساطات الدبلوماسية واللقاءات الوزارية عالية المستوى التي عقدها المسؤولون الإيطاليون مع كبار المسؤولين في فرنسا وبرلين وبروكسيل في الوصول إلى حلول لقضايا الهجرة والأمن، وهو الأمر الذي قد يعقّد من مهمة هشام الفراتي.
والحقيقة أنّ الأزمة بين تونس وإيطاليا أعمق من تصعيد إيطالي للخطاب السياسي تجاه تونس عبر اتهامها بتصدير المجرمين وبعدم ضبط حدودها المائية على الوجه المطلوب، الأمر الذي واجهته الدبلوماسية التونسية بالكثير من التروّي والرصانة من خلال تأكيد وزارة الداخلية عبر قنواتها الرسمية بأن الأزمة لن تحل بالخطاب الإعلامي بقدر ما تسوى بالتعاون المشترك، الذي يبقى بالنسبة لتونس خيارا ومصيرا.
في عمق التباين التونسي الإيطالي، تتجلى مواضيع عديدة تمثل نقاط تنافر بين العاصمتين، من بينها المسلكيات الإيطالية المقترحة لحل أزمة الهجرة، وهي مسلكيات تعبر لا فقط عن عقل إقصائي بل عن مقاربة إلغائية انعزالية لن تزيد طين الأزمة إلا بلة.
فلمرتين على الأقل، صرحت تونس بأن لا مجال للتفاوض حول مقترح تركيز مخيمات اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين على أراضيها، أو تحويل قطعة من جغرافيتها إلى غوانتنامو البحر المتوسط، حيث يقع تجميع المهاجرين في أرض بلا قانون أو سيادة.
لن ننتظر من اجتماع الثلاثاء الكثير من النتائج ولن نتوقع تغييرا جذريا في الخطاب والأداء لحكام روما الجدد ولكنه قد يكون اجتماع إعادة الروح للمسالك الدبلوماسية
وحتّى عندما عاد رئيس الوزراء الإيطالي الجديد جيوسيبي كونتي بمباركة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب بصحة المقاربة الإيطالية حيال الهجرة غير الشرعية، لم يغير هذا المعطى من التوجه التونسي والمتوسطي خاصة والأوروبي عامة شيئا، بل أكد وزير الخارجية التونسية خميس الجهيناوي أن بلاده لن تقبل تحويلها إلى جغرافيا للهامش الوظيفي الإنساني، أو ترانزيت للعنصر الراقي من المهاجرين.
صحيح أن شبه شلل تام يضرب العمل المشترك في ما يخص قوارب الهجرة غير الشرعية، فكل يوم تقريبا تطالعنا أخبار تحوّل المتوسط إلى مقبرة للمهاجرين أمام أعين الأجهزة الأمنية الإيطالية التي ترفض استقبالهم في سواحلها، ولكنّ الصحيح أيضا أنّ تونس وكافة عواصم شمال أفريقيا لا تزال متمسكة بموقفها الرافض للمقولات الإيطالية اللاإنسانية وغير القانونية.
في سياق ثان، يحضر الملف الليبي كنقطة تجاذب بين العاصمتين، فتونس لا تقف في ذات الخندق مع روما في الكثير من تفاصيل الأزمة الليبية. فتونس كثيرا ما اعتبرت أنّ التدخل الأجنبي، وتعني به الدور الإيطالي إلى جانب أدوار إقليمية أخرى، في ليبيا لا يساعد على تسوية الأزمة ودفع مسار السلام، كما أن دعم روما الواضح لأحد الأطراف الليبية (المجلس الرئاسي وحكومة فايز السراج ) على حساب الآخرين، وإبقائها على تواجد عسكري قوي في الجنوب، وتحويلها ليبيا إلى ميدان مكاسرة اقتصادية وسياسية وعسكرية ضد باريس، كلها عوامل ساهمت في إحداث هوة حقيقية بين تونس وروما.
لم تكن تونس راضية عن الدور الإيطالي في ليبيا، فلئن اعتبرت روما ليبيا حديقتها الخلفية وتاج تأثيرها الرمزي والمباشر، فإن تونس تتمثل ليبيا كرأس الأمن المغاربي وعمود استعادة التنمية الاقتصادية وجذوة الإرهاب والتطرف في شمال أفريقيا.
وفي كل الحالات، ليس من المنطقي أن تكافح عاصمة الهجرة غير الشرعية وهي متورطة في إحداث الشقة في بلدان المنبع، وليس من المعقول أن يتساءل مسؤول إيطالي عن التنمية الاقتصادية في دولة يعيش عمقها التنموي احتراب الداخل والخارج.
لن ننتظر من اجتماع الثلاثاء الكثير من النتائج ولن نتوقع تغييرا جذريا في الخطاب والأداء لحكام روما الجدد ولكنه قد يكون اجتماع إعادة الروح للمسالك الدبلوماسية حتّى وإن كانت من البوابة الأمنية بعيدا عن خطابات الشعبويين وتصريحات العنصريين.
أمين بن مسعود
كاتب ومحلل سياسي تونسي