القناص الأميركي ومجزرة كارولاينا
فيلم القناص الأمريكي
“القناص الأميركي” عنوان فيلم يتصدّر حاليا سباق الأفلام السينمائية في الولايات المتحدة. يسلط الضوء على تجربة “قناص” من المارينز خلال فترة احتلال العراق ويحتفي بشكل مفارقاتي بـ”البطل” الغربي الساعي إلى بسط الديمقراطية في خلاء وقفار الشرق الأوسط عبر إراقة الدماء وإسقاط الحكومات بالقوة وتفكيك الجيوش و”إسقاط” نموذج المجتمع الاستهلاكي على المجتمعات العربية.
القناص الأميركي ومجزرة كارولاينا |
القناص الأميركي يستبطن، في عمقه، ذات التفكير الإسرائيلي العنصري المبرّر لقتل الفلسطينيين عبر ذريعة أنّ الفلسطينيين هم الذين أجبروا الجيش الإسرائيلي على استعمال الفسفور الأبيض واستخدام الأسلحة المحظورة ضدّهم، ولا يقارب المسألة في جوهرها الأساسي القائم على ثنائية الاحتلال والمقاومة الشعبية الشرعية.
الصناعة السينمائية الأميركية
على مدى قرن من الزمان عملت الصناعة السينمائية الأميركية على اختراق المنظومة الفكرية والأخلاقية للمجتمعات غير الأميركية عبر “رسائل فنية اتصالية” تعمل على فرض الرواية الأميركية للأحداث وإقرار المقاربة الأميركية حول الاقتصاد والسياسة وحتّى قرار الحرب والسلم وإعلاء شأن الإنسان الأميركي وتحميله مسؤولية “إنقاذ” الكون من “البرابرة” و”المفسدين في الأرض”.
هكذا تصبح مأساة “القناص” متمثلة في صعوبة العودة إلى الحياة وفق الإيقاع الأميركي بعد أن أصابتها “لوثة” الحياة في الشرق الأوسط، وليست الفواجع والطامات التي اقترفها ذات “القناص” في حقّ مئات العراقيين ناهيك عن المآسي التي استدعاها التدخل الأميركي في العراق، دولة ودورا.
مجرم الحرب وفق القانون الدولي
وعلى هذا الأساس أيضا، تصبح “حياة” القناص، مجرم الحرب وفق القانون الدولي، أغلى وأرقى من أرواح مئات آلاف العراقيين الذين أصبحوا مجرّد أرقام في “سفر” المغامرات الأميركية في الشرق الأوسط.
في صلب التقاطع بين الفني والسياسي، والافتراضي والواقعي، والدرامي والميداني، تتجسدّ رؤى دولية ومواقف عواصم أوروبية تستلهم وتستبطن “مبدأ” العلوية الأميركية خاصة والغربية عامة على باقي الشعوب. من هذه الزاوية نفهم التهافت الدولي على إدانة مقتل رهينة أميركية على يد الدواعش والصمت المطبق على المجازر المقترفة بحقّ الإنسان العربي على يد التنظيمات الإرهابية.
وحتّى التململ الدولي حيال الشهيد الأردني معاذ الكساسبة كان في ارتباط بالتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضدّ “داعش” في العراق وسوريا وتداعيات استشهاد الكساسبة على مستقبل التآلف العالمي ضدّ الإرهاب، وليس متعلقا بقيمة “الدماء” العربية المراقة على جغرافيا العرب.
ثنائية “القناص” الأميركي وفق المفهوم الهوليودي، والقتلى “الآخرين” وفق التأصيل الأميركي والغربي لطبيعة المجتمعات وتراتبيّتهم، حضرت في الحرم الجامعي بـ”كارولانيا” وأفضت إلى مجزرة واضحة المعالم والمحددات ذهبت ضحيتها عائلة مهاجرة من أصول عربية وذات ديانة مسلمة.
اجتهدت “المنظومة” الدعائية الإعلامية الأميركية في “تبرئة” القناص الأميركي الهوليودي وإخراج الأمر على أنّه مجردّ “صراع” على مرآب السيارة وأنّ الضحية المقتولة تجاوزت الحدّ المعقول في التنديد. المفارقة أنّ العالم الذي احترق غضبا، وهو محقّ، لمجزرة تشارلي هيبدو ولم يتلكأ في إدانة “الإسلام المتطرف”، هو ذاته الذي يتردّد قبل “إدانة” استهداف المسلمين في أميركا وفرنسا من قبل “المتطرفين اللادينيين”.
صحيح أنّ جزءا كبيرا من تلطخ “صورة” العربي والمسلم يعود إلى العرب ذاتهم، ولكنّ الصحيح أيضا أنّ منظومة كاملة تعمل على ترسيخ صورة رمزية للقاتل والمقتول والضحية والمجرم في الأذهان، وليس من السهولة “تعديل” الصورة النمطية إلا إذا كان العرب جزءا من قوّة البثّ والإرسال وصنع الرسالة الإعلاميّة والاتصالية.
مجزرة شارلي هيبدو
الفرق بين ردّة الفعل حيال “مجزرة شارلي هيبدو” و“مذبحة كارولانيا” أنّ الرأي العام الدولي كان حاضرا في الأولى ومنتبها للإدانة وجاهزا للفعل المضادّ، في حين أنّه في الثانية اشتغلت فقط محاضر التحقيق والنيابات العموميّة دون “تعاطف” دولي أو حتّى إدانة عربية، والبون شاسع بين قوة الاستقطاب في الأولى ووهن الخطاب في الثانية. الإشكال رمزيّ تراكميّ. من حقّ العرب أن يشجبوا دون الوصول إلى عمق المسألة إلى حين “مساءلة” القناص ومحاسبة كافة القناصين المستهدفين لجغرافيا العرب وتاريخهم.
كاتب ومحلل سياسي تونسي