مونديال المغرب - الجزائر: رؤية 2030
مونديال المغرب – الجزائر
لئن عجزت الدولتان، ومعهما الاتحاد المغاربي، في حل الخلاف حول الصحراء المغربية، فلا ضير في إدارة الاختلاف بشكل يستمر فيه التباين في ملف والتعاون في ملفات.
مونديال المغرب - الجزائر: رؤية 2030 |
هل تفعل كرة القدم ما عجزت عن إتيانه السياسة والعلاقات الدولية بين الجزائر والمغرب وتنجح بذلك في تجاوز تباين بين دولتين استحال محنة دائمة، ومعضلة استراتيجية أغلقت دونها الحدود البرية بين الدولتين الجارتين وأشعلت حروبا إعلامية بينيّة، والأهم أنها حالت دون بناء اتحاد مغرب عربيّ قوي ومتماسك.
نطرح هذا الاستفسار الطافح بالتطلعات المغاربية، على خلفية مؤشرات التقارب الواردة من الرباط والجزائر والطارحة لمشروع واعد لتقديم ملف ثنائي مشترك لتنظيم مونديال العام 2030.
ذلك أنّ تحية الجزائر إلى المغرب عبر التصويت لصالح تنظيم مونديال 2026، تمّ استقبالها في الرباط بتحية أحسن منها، حيث كشفت مصادر جدّ مطلعة أنّ العاهل المغربي الملك محمد السادس أوعز إلى سفيره في الجزائر حسن عبدالخالق بتوجيه مقترح إلى الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة بالترشح الثنائيّ لتنظيم مونديال 2030.
كما أن المساءلة البرلمانية الفريدة التي توجه بها نائب عن حزب العدالة والتنمية إلى رئيس الحكومة لوضع حد لمسألة إغلاق الحدود البرية مع الجزائر تندرج ضمن سياق الانفتاح المدروس بين البلدين، فما كان لإسلاميي المغرب من “العدالة والتنمية” أن يقدموا على هذه الخطوة دون ضوء أخضر من المخزن وفي الحد الأدنى دون استقراء لعدم معارضة العاهل المغربي لهذا التوجه.
ويبدو أن هناك رغبة جزائرية – مغربية مشتركة في تحييد ملف البوليساريو وإدارته بشكل توافقي يحول دون تأثيراته السلبية على باقي أوجه التعاون بين الطرفين، حيث أنّ ربط كل الملفات بـ”الملف – الأزمة” المتمثل في الصحراء المغربية بشكل تلازمي وشرطي قد يخالف واحدة من أهم أسس العلاقات الدولية باعتبارها فن الممكن وعنوانها تحييد ملفات الأزمة وجوهرها التشبيك المكثف في المصالح. ولئن عجزت الدولتان، ومعهما الاتحاد المغاربي، في حلّ الخلاف حول الصحراء المغربية، فلا ضير في إدارة الاختلاف بشكل يستمر فيه التباين في ملف والتعاون في ملفات.
وفي العمق ليست هذه دعوة إلى التطبيع مع الحالة الهجينة التي عليها الصحراء المغربية اليوم، ولا إلى الاعتراف الناعم بشرعية الحركات الانفصالية في الصحراء ولا أيضا إلى غض النظر عن المقاربة الجزائرية المخطئة والخطيرة في مسألة أمن قومي للمغرب وللاتحاد المغاربي، ولكن في المقابل ليس من الحصافة بمكان أن تُؤبد حالة اللامغرب الكبير بسبب الصحراء ولا أن يتصحر شبابنا بفعل البطالة وانعدام الفرص، في حين أنّ سوقا مغاربية مشتركة قادرة على توفير فرص استثمارية هائلة وتأمين البدائل الحقيقية لكافة دول المغرب العربي وشمال أفريقيا بشكل عام.
الكثير من الأدبيات الفكرية المنتمية إلى المدرسة النقدية تطالب بأنسنة العولمة والاستفادة من إيجابياتها، فلئن كانت لمسألة انفتاح الأسواق والطرق السيارة للسلع وبناء التكتلات التجارية والاستثمارية فوائد على العالم العربي وعلى المغرب العربي على وجه التحديد، ولا سيما في ما يخص جسر الهوة السياسية بين البلدان، فلا يمكن إلا أن يكون الترحيب بالعولمة المفيدة.
هناك قناعة مغربية دفينة بأن أزمة البوليساريو لن تحلّ إلا في إطار مغاربي مشترك وإلا بحلحلة الموقف الجزائري الذي يقف اليوم حجرة العثرة الوحيدة تقريبا في تسوية هذا الملفّ المرهق والمستنزف، وأنّ قطار التسوية لن يتحرك إلا إذا أيقن قادة الجزائر أن الرهان يكون على الجار والجوار لا على فصائل الانفصال والتشرذم، وهي قناعة تتكرس بمنطق المصالح المشتركة ومنطق الزمان. إضافة إلى ذلك فإن فشل المغرب للمرة الثالثة على التوالي في استضافة المونديال، ألقى بارتداده الفكري بوجوب تأصيل مشاريع مشتركة مع الجوار حتّى وإن كانت الجغرافيا مستعصية وكأداء.
ولا شكّ أن مجرّد التفكير بهذا المنحى التشاركي سيكون له زخم إيجابي في مستوى توفير الثقة المتبادلة، وهي نقطة تكاد تكون منعدمة بين البلدين لاعتبارات يطول شرحها.
لم تكن كرة القدم مجرد لعبة في يوم من الأيام، كانت دائما مجال رهان وتسابق وتنافس سواء لمن هم داخل الميدان أو لمن حوله، من مُعلنين وسماسرة لاعبين ومستشهرين وشركات عملاقة وخبراء تسويق ودعاية وعلامات عالمية ووكالات أسفار ومزودي رحلات وأصحاب فنادق كبرى ومنظمي سياحة مقننة وغير مقننة، ويبدو أنّ هؤلاء باتوا اللاعبين الحقيقيين والفاعلين الأساسيين في مسرح كرة القدم.
والأكيد أن مجرد أن تكون الجزائر والمغرب في قلب الحدث الدولي، أو على هامشه أيضا، سيكون دافعا لتطوير البنية التحتية وتحسين الملاعب والاهتمام بالمجال الرياضي كمجال صانع للثروات والتنمية وللقوة الناعمة والرأسمال الرمزي في آن واحد.
زادت كرة القدم في إذكاء جروح القبلية والعنصرية في الوطن العربي أكثر من مرة، أقلها عام 2010 مع لقاءات الجزائر ومصر للترشح لمونديال جنوب أفريقيا، فهل تقدر اليوم على أن تكون جسرا لجسر هوّة الخلافات بين دولتين عربيتين، لنا أكثر من سبب للتفاؤل وأكثر من مقدمة للتشاؤم.