تونس: قمة الاحتضار و"الحضور المستعجل"
الوقوف عند تخوم التنديد ودعوة المجتمع الدولي للتحرك دليل وهن سيدفع ترامب إلى المضي قدما في {إمضاءاته} التي لن تقف عند الجولان السوري المحتل.
الثلاثاء 2019/04/02
أثبتت قمّة تونس أنّ جامعة الدول العربيّة تعاني في عمقها من عقم هيكلي وبنيويّ يجعلها عاجزة عن الفعل الجماعي وحتّى الإيهام بذلك. فعلى الرغم من التّمثيل الرسمي للدول المشاركة، والذي ارتقى إلى مستوى لا بأس به، فإنّ مُخرجات القمة كانت على هامش الاستحقاقات والتحديات والأطماع التي تتهدّد المنطقة العربية، دولا وأدوارا.
ولا أدلّ من حالة التخبّط التي يمرّ بها العمل العربي المشترك، من أمير دولة يأتي لخمس دقائق إلى قاعة الاجتماعات، ويغادر في منتصف كلمة الأمين العام للجامعة، أو رئيس دولة يقدم بعد اعتذار وينسحب على عجل، أو من قمّة عربية لم تجد عاصمة أخرى لاستضافة أشغال القمة للعام المقبل.
هكذا تصير حالة العمل العربي المشترك، عندما يتردّى الوطن العربي من “الفاعل” إلى “الانفعالية”، وعندما تضيع البوصلة وتغيب المرجعيات الرمزية، عندها يصير الفضاء العربي مجالا لتوسّع وتدخّل القوى الإقليمية وما أكثرها. وعندما تصير اجتماعات الجامعة العربية فضاء لتصفية الحسابات السياسية والإعلامية، بدل أن تكون إطارا جامعا لإدارة النزاعات والخلافات والتي لا مناص من وجودها، تصبح القمم العربية مدعاة للتبخيس والتجاهل، وحتّى السخرية.
وعندما تتحوّل القمم العربية كإطار للتنديد والتحذير والتشخيص والتوصيف، فهي مقدّمة حقيقية للاستقالة الرمزية والمادية من قضايا الوطن العربيّ، ذلك أنّ وظيفة الفاعل الرسمي كامنة في الوقوف في وجه التهديدات والتقليص من مخاطرها وصناعة السياسات والبدائل واجتراح العمق الاستراتيجي الجديد والمُثمر. أمّا الوقوف عند تخوم التنديد ودعوة المجتمع الدولي للتحرّك فهو دليل وهن وضعف واستكانة سيدفع الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى المضي قدما في “إمضاءاته” التي لن تقف عند حدود الجولان السوريّ المحتلّ…
عدم ترشّح أي دولة عربية لاستضافة أشغال القمة العربية القادمة، مؤشر خطير للغاية، واستثنائيّ في تاريخ القمم العربية.
هو مؤشر خطير لأنّه يدلّل على حالة الرداءة والارتداد التي بات عليها اليوم ما يسمّى بـ”العمل العربيّ المشترك”، بعد أن اختارت بعض العواصم العربية الانخراط صلب تجمعات اقتصادية قارية غير عربية، وفضلت أخرى الانضواء صلب اصطفافات تتمثّل الوطن العربي كجغرافيا للتوسّع والامتداد لا كشريك للتفاعل السياسي والاستراتيجي.
وهو أيضا مؤشر استثنائيّ سلبيّ، حيث باتت العواصم العربية تتمثّل أشغال القمم العربية كثقل مادي ورمزيّ ولوجستيّ وتكلفة سياسية وبروتوكول باهظ الثمن دون أي مخرجات حقيقية.
لم يجانب العاهل المغربي الملك محمد السادس الصواب، عندما رفض أن تستضيف الرباط القمة العربية في عام 2017، وقد ربط بين “العقم الهيكليّ” و”السجالات السياسية” و”الاجتماعات البروتوكولية” التي تأخذ من الزمن الاستراتيجي والجهد الرسميّ للدولة المستضيفة الشيء الكثير دون أيّ أثر إيجابي سواء على الدولة المضيفة أو على العمل العربي المشترك.
قيمة كل قمّة أيا كانت طبيعتها، متأتية من شيئين اثنين، الأوّل هو القرارات والخطوات المعتمدة على اعتبار أنّها قمّة فاعلين تنفيذيين، والثاني هو الاجتماعات الموازية لأعمال القمّة ونعني بها اللقاءات الجانبية وهي لقاءات قد تكون السبب الحقيقي لنجاح القمّة بعيدا عن الخطابات الرسمية والأشغال المعروفة في قاعة المؤتمرات.
في الحالتين، كانت القمّة العربية في تونس قمّة المستعجلين والمغادرين بسرعة، قمّة تسجيل الحضور حفظا للحدّ الأدنى من العلاقات العربية العربية واحتراما للدولة المضيفة، والتي سعت في القمة إلى المشي بين حقول الألغام وقبلها إلى المحافظة على نفس المسافة من الإخوة الفرقاء.
تقريبا، لم تسجل كاميرات الصحافيين أيّ لقاء جانبي على هامش أعمال القمّة العربيّة، ولم تؤصّل القمة لأيّ حلحلة مهما كان مقدارها للأزمات المركّبة في الوطن العربيّ، ولم تفتح الآفاق لأي وساطة حقيقية للمشكلات المستعصية والتي قضت على أيّ أمل في الاستنهاض واليقظة. كما أنها لم تُثمر في المقابل أي اتفاق عربي مشترك من شأنه أي يسدّ رمق الفقراء وأن يقدّم إكسير خبز للمحاصرين والمجوّعين في فلسطين المحتلة، إلا إذا استثنينا اتفاق “القمر الصناعي العربيّ”.
رفض العواصم العربية لاستضافة القمة القادمة، مقدمة جدّ خطيرة وحساسة، ومؤشر لإمكانية سقوط “الهيكل”، بعد أن عجز عن الإصلاح، وطالما أنّ هناك تصوّرا خاطئا حاكما بأنّ القمة العربيّة هي البداية وليست النهاية لإصلاح العمل العربي المشترك، فإنّ جامعة الدول العربية ستبقى على حالة “الاحتضار” تلك، دون أي قدرة من أبنائها لإنقاذها ودون رغبة في الإعلان عن وفاتها.