آلة الحرب الأميركية ومقولة نهاية التاريخ
الولايات المتحدة الأميركية وأيديولوجيات “نهاية التاريخ”
“قصة حب مجوسية” هي طبيعة العلاقة القائمة بين الولايات المتحدة الأميركية وأيديولوجيات “نهاية التاريخ” الساعية إلى إغلاق مسار تطور الأحداث وحسر رؤى المستقبل في مقاربة “اختزالية” ضيقة.آلة الحرب الأميركية ومقولة نهاية التاريخ |
في كل مرحلة من مراحل التدخل الأميركي في المنطقة العربية، كانت الولايات المتحدة تطوع الأطروحات التكفيرية المعادية لمسار التاريخ ولمنطق “مفاعيل” المكان والزمان لـ”شرعنة” تدخلها العسكري واستباحتها للأوطان العربية والإسلامية، فمن أفغانستان 2001 إلى العراق 2003، وليس انتهاء بسوريا والعراق 2014، كانت الآلة العسكرية الأميركية تضرب في عمق الوطن العربي تحت عناوين تخليص العالم الإسلامي من الرؤى الاختزالية للتيارات السلفية التكفيرية.
والمفارقة في هذا السياق أن الطرفين-واشنطن والتيارات التكفيرية- يتقاطعان في نقطة نهاية التاريخ ويتفقان في زاوية ابتسار فلسفة التاريخ في “كينونة” أحادية مفادها إحكام السيطرة على روافد الحضارة وغلقها من كافة الجوانب الإنسانية.
ففي ذات الوقت الذي تعمل فيه “داعش” على اغتيال التاريخ تحت ذرائع “الخلافة الإسلامية” وتحت عناوين “الخليفة الراشد” الذي سيملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت جورا، تتدخل واشنطن تحت مسميات “المنقذ” و”الرجل الخارق” الساعي إلى تخليص الإنسانية من الأرواح الشريرة.
بيد أن اللافت أنه كلما تدخلت “الحضارة المنقذة” للإنسانية من نير “التيارات التكفيرية” في مفصل جغرافي محدد، إلا وانفجرت تيارات تكفيرية في مفاصل جغرافية متعددة ليبقى الوطن العربي في ثنائية مقيتة متجسدة في “الخطر الأسود والمنقذ الأبيض”.
ومع هذه الثنائية تضمحل رؤى البناء والإعمار وتدحض استحقاقات السيادة والوحدة العربية، وتحضر بقوة أولويات جديدة على رأسها الأمن وإعادة الإعمار ومواجهة الاستنزاف وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الركام المتهاوي على رؤوس العرب بضربات داعش أو بصواريخ “التوهاموك” الأطلسية. ما بين رؤيتين لـ”نهاية التاريخ”، الأولى أميركية والثانية تكفيرية، تبلغ العواصم العربية “نهاية الحاضر” ويضيع معها المستقبل.
اجتبى البيت الأبيض إطلاق تسمية “الزعماء المؤسسين” لأفغانستان على فلول الإرهابيين وأمراء السلاح والتهريب الذين أذاقوا الاتحاد السوفييتي الأمرّيْن خلال حرب دحر السوفييت الكفار من أرض العجم، وفق التسمية الجهادية وقتذاك.
أحسن البيت الأبيض اختيار التسمية على المقاتلين الأفغان والعرب في الثمانينات، فإن كان “الآباء المؤسسون” الأميركان نجحوا في بناء أكبر اتحاد فيدرالي في العالم، فـ”الزعماء المؤسسون” لأفغانستان سيمنحون للأميركان الحق في استباحة الأوطان العربية والإسلامية، وسيهبونهم الضوء الأخضر لاستهداف الدول الوطنية ومقدراتها الاقتصادية والعسكرية.
صحيح أن الولايات المتحدة في غنى عن ذرائع “أيديولوجيات اليباب والخراب” للتدخل في البلدان العربية، بيد أنها تحتاج هذه الأقنعة بعد أن دبرت الانقلابات العسكرية، وبعد أن أخمدت ثورات الشعوب المنتفضة في أميركا اللاتينية ولا تزال.
لا تزال واشنطن تحارب سطوة التاريخ ومنطق تطور الأحداث لدى الشعوب الحية -في أميركا اللاتينية وفي آسيا- زاعمة أنها في الجانب الصحيح من التاريخ وفي الركن الصواب من مقاربة الزمان والإنسان والمكان، فارضة أجنداتها السياسية والعسكرية الأمنية تحت مسمى “نهاية التاريخ”.
أليس غريبا أن تحارب واشنطن التفكير والتكفير بعنوان يتيم “نهاية التاريخ”، ثم أليس من الغريب أن تثور بعض الشعوب العربية ضد الاستبداد والفساد المحليين، ثم تقبل بالاستبداد الأميركي وبأحادية القرار لدى البنوك الدولية تحت مسميات “نهاية التاريخ”؟ أليس من المنطقي أن تكون الثورة الحقيقية ثورة فكرية تهز مقولة “نهاية التاريخ” ، وترفض الاستبداد الأميركي ذات رفضها للاستبداد العربي ومعه الاستبداد الداعشي، بعد أن تجاوز كل الحدود.
كاتب صحفي تونسي