عن الدول الهجينة في العالم العربي
الطائفية المقيتة والتيارات التكفيرية المسلحة
هو النموذج السياسي المسقط حاليا على العالم العربي والمنسحب على أكثر من قطر في جغرافيا ممتدة من الدم إلى الدم. هو نموذج “الدولة الهجينة”، حيث تتآكل مقدراتها الاجتماعية من الداخل وتتناحر مكوناتها السياسية ثقافيا وعسكريا وتبتسر جغرافيتها على أنقاض الطائفية المقيتة والتيارات التكفيرية المسلحة.
عن الدول الهجينة في العالم العربي |
“الدولة الهجينة”، قد تكون الخيط الناظم بين أقطار عربية تقاذفتها رياح “الربيع العربي” وبين أقطار أخرى تنتظر أعاصير حروب الجيل الرابع، حيث تدخل البلدان في تناقضات يزيد من حدّتها واحتقانها “وكيل” محليّ يؤدي بأقصى ما يملك دور “ذكر النحل” في لعبة الأمم.
“الدولة الهجينة”، هي حالة من حالات التردي والارتداد المؤسساتي، حيث تشترك 4 مكوّنات في بلورتها على أرض الواقع، أوّلها منظومة عسكرية أقلّ من جيش وطني عقائدي مؤسساتي وأكثر من ميليشيا، ثانيها سلطة مركزيّة هي أكثر من كيان عنصري وكنتونات طائفية وأقل من دولة وطنية جامعة لحدود الجغرافيا وشتات المجتمع، ثالثها منظومة تشريعية هي أكثر من قوانين عرفية وأقل من نصوص دستورية تؤصل لمجتمع المواطنة ومواطنة المجتمع، رابعها طبقة سياسية (في السلطة والمعارضة على حدّ السواء) أكثر من دعاة طوائف وأقلّ من بناة دولة حديثة ومن أصحاب مشاريع إصلاح مؤسساتي.
“الدولة الهجينة” في العالم العربي، هي محصلة للفشل السياسي والاقتصادي في الإصلاح والتنمية وهي نتاج “ثورات” دون استراتيجيا سرعان ما استحالت إلى انقلابات لصالح تيارات سياسية أرفع من “العصابات” وأقل من الأحزاب المدنية، وهي أيضا نتاج تدخلات إقليمية ودولية تريد للفضاء العربي أن يبقى “ملعبا” لأصحاب المشاريع الكبرى.
تقريبا ذات المشهدية تستنسخ من سوريا إلى العراق ومن اليمن إلى ليبيا، جيوش ضعيفة مترهّلة تقودها ميليشيات طائفية ومناطقيّة متضخمة الدور والسلاح، قد تسجّل تقدما في نقطة جغرافية على حساب أخرى ولكن وفق “معادلة” الطائفة قبل الوطن. وتلك مفارقة من مفارقات الوطن العربي.
أمّا الميدان – بالمفهوم العسكري- والوطن – بالتعريف السياسي والسوسيولوجي- فاستحال مقضوما من التيارات التكفيرية التي حملته إلى ما قبل التاريخ ومبتسرا من طرف الجماعات الطائفية المؤمنة بجغرافيا “الهويات القاتلة”، بعد أن ظهر بالكاشف اهتراء مفهوم المواطنة في دول ما بعد الاستقلال وأنّ الترسبات العقائدية والإثنية والقبلية أكثر رسوخا في الذهن الجمعي العربي من نظريات الدولة الحديثة.
لذا فليس من الغرابة أن تستحيل “الدولة الهجينة” إلى واقع سياسي مرسوم صلب أقطار عربية واقعة بين كيانين هجينين، خارج المدنية والتاريخ والجغرافيا، هما إسرائيل وداعش. ليس من الغريب هذا التموقع، فالذي يسعى إلى التطبيع الشامل والكامل في العلاقات العربية الإسرائيلية عليه، إمّا أن يحوّل إسرائيل من فضاء الكيان الغاصب الهجين إلى سياق الدولة العادية، وهو أمر صعب في سياقاته التاريخية والسياسية على الأقل، وإمّا أن يعمّم حالة “الهجن” – برفع الهاء- بأشكالها السياسية والعسكرية والقانونية والاجتماعية في كافة الشرق الأوسط، فيتساوى بذلك الأصيل الأثيل بـ“الوكيل الهجين”.
الجرح الذي تثيره إسرائيل وداعش في العقل العربي، لا يعود فقط إلى تمكنهما من الاحتلال وبسط الهيمنة ونشر ثقافة القتل وإنما، وهذا هو الأهم، لأنّهما علامة الفشل في بناء الدولة الإصلاحية ومؤشرا على القصور في بناء ثقافة تتصالح مع العصر، ولأنهما أيضا دليلا على اختراق ثقافة “القبيلة والقتيلة” لمبادئ مواطنة يبدو أنّها لم تأت بعد في وطن جل أقطاره.. دول هجينة.
كاتب ومحلل سياسي تونسي