تونس تحت حكم "مجلس الشورى"
حكم مجلس الشورى
في نظام سياسي هجين على غرار النظام التونسي، يصير نظام الحكم برلمانيا في الدستور، رئاسيا في الصلاحيات، "شوريا" في الواقع، و"توافقيا بين السبسي والغنوشي" عند الصراع.
تونس تحت حكم "مجلس الشورى" |
يأتي بلاغ مجلس شورى حركة النهضة في صلب “الحدث السياسي المحوري” في تونس، فلأول مرة تقريبا تحسم حركة النهضة في قضايا حساسة تمسّ صلب “التوافق” الذي جسّده اجتماع رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي برئيس النداء الباجي قايد السبسي في العاصمة الفرنسية باريس.
ليست المرة الأولى التي ترفع فيها حركة النهضة الفيتو ضدّ مبادرة يتبنّاها الرئيس السبسي، فالحركة لم ترض بإسقاط حكومة يوسف الشاهد ولم تقبل بمقولة التغيير قبل إيجاد البديل، ولم يكن موقفها داعما لمبادرة المصالحة الاقتصادية مع رجال الأعمال الفاسدين.
إبان الحكم السابق، وفي الحالتين كانت تشير من طرف خفي بأنّ “زمن التنازلات ولّى”. ولكنّ بلاغ مساء الأحد، كان قاطعا في رفض مبادرة السبسي. والمتابع للمدونة السياسية لحركة النهضة حيال هذه المبادرة يرصد توجها من البرود تجاهها إلى الحسم التناقضي معها، فمن فقرات متخفية في البيان الاحتفائي بمشيخة بلدية تونس تتحدّث عن الأمن الهوياتي والثقافي وأولويات الجانب الاقتصادي عن استرداد حروب الهويات والأيديولوجيات إلى التنصيص بانّ النهضة لا توافق على المبادرة منطقا ومنطوقا.
جزء من موقف حركة النهضة مرتبط أساسا بالاستحقاقات الانتخابية القادمة والتي تشير المقدمات إلى أنّها ستنافس بقوة في كافة مكوّناتها التشريعية والرئاسية، حيث أنّها لا تريد استثارة جمهورها المحافظ وقواعدها التقليدية سيما وأنّ المصطادين في مياه “سرديات المظلومية الدينية” كثيرون جدّا، كما أنّ موقفها مرتبط عضويا بحقيقة تمثل النهضة للدولة وللدين من حيث الترابط بين الطرفين والتكامل بينهما.
أمّا الجزء الأهمّ من موقفها الرافض لمبادرة السبسي فهو متعلّق بمستقبل التوافق مع حركة النهضة من زاوية الاستحقاقات الانتخابية القادمة، فالنهضة باتت تتبنّى مقاربة بأنّ النداء في كافة الظروف الانتخابية سيحتاجها لكي يبقى في الحكم، فيما ستحتاجه لكي تقبض على الحكومة والحكم.
كما أنّ الفيتو النهضوي ضدّ مبادرة السبسي، بالإمكان تفسيره في سياق قضاء النهضة حاجتها من النداء ضمن الاستحقاقات الإستراتيجية المتعلقة بالإقليم. فالنهضة قبلت بالمشاركة الرمزية في حكومتي الصيد والشاهد، وبإمساك السبسي للملفات الكبرى الداخلية والخارجية، في وقت كانت سيناريوهات النموذج المصري في تونس بمثابة الفرضيات الراجحة والممكنة، وفي وقت أيضا بدأ إدراج حركات الإخوان المسلمين على لائحة الإرهاب رائجا في محاضن الإسلاميين في الغرب انطلاقا من لندن وواشنطن وبرلين، والأهم من كل ذلك في سياق مراجعة الغرب للتلازمية القائمة بين الإخوان والسلفية التكفيرية.
وبعد أن هدأت عاصفة الغضب على الإخوان -ولو مؤقتا- وفرضت المعادلة التونسية منطقها بأن لا مجال للاجتثاث وللاستئصال لأيّ مكون سياسي، أيا كانت مدوّنته الفكرية، إلا بقوة القانون، عادت حركة النهضة إلى سطوتها وشوكتها مدفوعة بسكرة فوزها في الانتخابات البلدية وبالأزمات الهيكلية التي يمر بها نداء تونس.
الملاحظة أنّه في ذات بلاغ الفيتو الذي تؤكّد فيه خطوطها الحمراء في علاقة الدولة بالدين، تضع فيتو آخر على يوسف الشاهد وعلى فريقه الوزاريّ بأن لا مجال للجمع بين الوزارة والمنافسة الانتخابيّة. قد تذهب بعض التحليلات السياسية بأنّ النهضة اقتربت نصف خطوة من موقف السبسي والنداء ككل بضرورة تغيير حكومة الشاهد برمّتها، ولكنّ المرجّح في هذا السياق أنّ النهضة لا تريد رأس الشاهد كما يبتغي السبسي الأب والابن، بقدر ما تريد أن تتحكّم في مصير الشاهد وحكومته بقاء أو مغادرة.
وباعتبار أنّ النداء سلّم للنهضة مصير يوسف الشاهد منذ أن قرر إعلان الحرب عليه، فإنّ النهضة تريد التأكيد بأنها القادرة وحدها على رميه في الجبّ أو إلباسه لبوس “عزيز القصبة”، وهي الوحيدة التي تفرض الشروط السياسية على من ارتمى في جلبابها خوفا من بطش إخوته.
في نظام سياسي هجين على غرار النظام التونسي، يصير نظام الحكم برلمانيا في الدستور، رئاسيا في الصلاحيات، “شوريا” في الواقع، و”توافقيا بين السبسي والغنوشي” عند الصراع.
يخطئ من يتصوّر أنّ النهضة تريد القطع نهائيا مع نداء تونس أو مع تجربة التوافق مع السبسي، ولكن في المقابل هي تسعى إلى إعادة تأثيث ومراجعة لمضمونه يراعي تغيّر السياق المحلّي والإقليمي ويضع اليد العليا للنهضة على الدواليب، لا فقط في الحكم البلدي، بل في الرئاسي والتشريعي والشريعة.